مراسلو الجزيرة نت
غزة- عانق نبيه الغزالي الحرية بعد اعتقاله أثناء حصار مدينة حمد في خان يونس يوم 4 مارس/آذار 2024، حيث قضى عاما في السجون الإسرائيلية متنقلا بين سدي تيمان وعوفر ونفحة والنقب تعرض خلاله للتعذيب والتنكيل والإهمال الطبي من قبل المحققين وفرقة القمع التي استخدمت الكلاب خلال التحقيق معه.
عاد إلى أسرته ولم يعد لبيته، فقد هدمه الاحتلال وهو في السجن لتنزح زوجته وأطفاله السبعة إلى الخيام ليعيشوا حياة القهر والظلم والجوع، وخرج ولم يجد والده الذي تركه يصارع الجوع والوجع والمعاناة حتى استشهد، ولم يستطع إلقاء نظرة وداع عليه.
ومن على أنقاض شقته المهدمة التي ترك فيها جزءا من حياته وقف صامتا، قبل أن يستطرد قائلا للجزيرة نت “ما زلت لم أنته من تسديد أقساطها، ولم أشبع من عبقها، فقد كانت لي حضنا وسندا”.
نزوح وتجويع
وتابع الغزالي قائلا “اليوم أصبحت بلا مأوى، يطاردني النزوح والجوع مشتتا بين الخيام والبيوت المهدمة، تراكمت فوق رأسي الديون، وأنهكتني الحاجة وأنا أبحث عن الطحين والطعام لإطعام أطفالي، وأنا من كنت أحتاج له بعد أن كان يحاصرني الجوع في السجن، ليعود وينهش جسدي الجوع مرة أخرى خارجه”.
وأضاف “خرجت وأنا أحمل رسائل الألم والمعاناة من زملائي رفقاء السجن الذين كانوا معي لعلي أكون رسولهم إلى ذويهم، مطمئنا لهم عندما أسرد لهم أخبارهم وأحوال صحتهم، وأبعث فيهم الأمل، لعل أخبارهم تخفف عنهم ألم الفقد وعذاب الفراق”.
تواصل مع عائلات كثير منهم، ويوضح أن صدمته كانت كبيرة حين رأى أحوال أفرادها وظروفهم، فالحياة أتعبتهم، والنزوح أدمى قلوبهم، والجوع أنهك أجسادهم، وأدرك أن أوضاعهم لا تختلف عن أوضاع أحبابهم في السجن، فالقهر والجوع والألم عامل مشترك بينهم.
تبدو أيام الغزالي خارج السجن وخلال الحرب صعبة جدا، لم يعرف فيها طعم الاستقرار والهدوء والراحة وكأنه خرج ليصارع الحياة من جديد، حيث يؤكد أنه خرج من سجن صغير إلى آخر أكبر قليلا، ليعيش مع أسرته حياة النزوح من مكان إلى آخر، ويكابد الفقر والجوع والحرمان.
كابوس
منذ خروجه من السجن اضطر نبيه إلى النزوح مع أفراد أسرته أكثر من مرة، حتى استقر بهم المقام مؤقتا في جزء من منزل والده المقصوف والمهدوم في مدينة الصبرة بغزة بعد أن نظف جزءا منه من خلال إزالة الركام والحجارة وغطاه ببعض الشوادر وقطع القماش.
في هذا الجزء من البيت الذي ما زال يحاول أن يرمم فيه شيئا من أحلامه الوردية التي كان يحياها قبل الحرب والاعتقال قال نبيه للجزيرة نت “سرعان ما تحولت فرحة الإفراج عني إلى كابوس لا يطاق من أهوال الحرب التي أعيشها”.
وتابع “خرجت من عذاب إلى عذاب أكبر وقهر وجوع، ومن نار الزنازين إلى جحيم حرب لا تبقي ولا تذر، خرجت وأنا بحاجة إلى من يواسيني ويخفف عني فوجدت أن لا وقت لمثل هذه المشاعر، وأدركت أن الجحيم الذي نعيشه في غزة لا يعطيك فرصة لالتقاط أنفاسك”.
وأضاف نبيه “فمنظر أطفالك وهم يتضورون جوعا أمام عينيك يجبرك على أن تداري غضبك وتخفي دموعك كي لا تنهار، وأن تصارع الحياة والموت معا وتتحدى الحرب والصواريخ في سبيل إطعامهم وتخفيف وجعهم وآلامهم، أن تكون قويا، لا لأنك كذلك، بل لأنك لا تملك خيارا آخر”.

تعذيب قاتل
ويؤكد الغزالي أنه لا يبالغ إن قال إن السجن وعذابه وجوعه أهون عليه من رؤية أطفاله مجوعين يسحقهم الغلاء والعناء والبلاء، ويقول “تمنيت لو لم أخرج لأعيش هذا الكابوس المرعب، فأصعب شيء أن تكون مكسورا أمام أبنائك وأنا الذي لم تكسرني الزنزانة ولم يثنني القيد”.
وعن ظروف الاعتقال والتحقيق، يوضح أنه تعرّض للتعذيب والشبح والتجويع لأكثر من 100 يوم في الزنازين وهو معصوب العينين ومكبل اليدين والقدمين، وتم تكسير أضلاع صدره أكثر من 6 مرات.
وأكد أن المحققين كانوا يتعمدون إيذاءه بضربه على معدته وبطنه وصدره، لدرجة أنه كان يتنفس بصعوبة من شدة الألم، بالإضافة إلى الإهمال الطبي، حتى أنه فقد الإحساس بكل شيء، وكل ذلك رغم عدم توجيه تهمة رسمية له سوى أنه أسير حرب.
وتابع “في السجن نعيش على القليل، نجوع لكننا لا ننهار، أما خارجه فقد صارت الحياة أشبه بسجن أوسع، لكن بلا جدران ولا قضبان، حرب التجويع تطال الجميع، هناك من يتضور جوعا في صمت، تُسرق لقمتهم بأسماء كثيرة: حصار، عقوبات، غلاء”.
كان يسمع عن السجن وظلمته وعن الأسرى وعذاباتهم، وكان يتضامن مع قضيتهم إلى أن عاش تجربته بكل تفاصيلها واقعا عمليا، حينها أدرك حجم المعاناة التي يعيشونها، فحياة السجن والأسر تشبه حياة القبور، ويشعر فيها الأسير بانعدام الوقت، و”لا يجبرك على تحملها سوى الأمل بالله واليقين بقدرته على تدبير الأمور وإدراك الخلاص”، وفق ما يقول نبيه.