في عالم باتت فيه أنماط الحياة المعاصرة تتسم بالخمول وقلة النشاط البدني، تزداد التحذيرات من المخاطر الصحية المرتبطة بالجلوس الطويل وقلة الحركة. فسواء تعلق الأمر بالعمل المكتبي أو أسلوب الحياة الرقمي الذي يغلب عليه الجلوس لساعات أمام الشاشات، فإن الإنسان يدفع ثمنا باهظا من صحته الجسدية والنفسية على حد سواء.
وفي هذا السياق، شددت جمعية التأمين الصحي الألمانية على أن قلة الحركة لا تقتصر أضرارها على الوزن الزائد أو الشعور بالخمول، بل تمتد لتشمل سلسلة من المشكلات الصحية المعقدة والخطيرة، مما يجعل تبنّي أسلوب حياة نشط ضرورة يومية وليست خيارا ثانويا.
الخمول يسبب أمراضا واضطرابات نفسية
الجمعية حذرت من أن قلة الحركة ترتبط ارتباطا مباشرا بظهور أمراض القلب والأوعية الدموية، والسمنة، وداء السكري من النوع الثاني، وآلام الظهر، وضمور العضلات، ومشكلات المفاصل. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل يمتد إلى الصحة النفسية، حيث تزداد فرص الإصابة بالاكتئاب، والقلق، واضطرابات النوم لدى الأشخاص الذين لا يمارسون نشاطا بدنيا كافيا.
هذه التحذيرات تستند إلى دراسات حديثة تُظهر أن نمط الحياة غير النشط يؤثر سلبا على أداء الأجهزة الحيوية في الجسم، ويُضعف المناعة، ويزيد من التوتر الذهني والجسدي.
الحد الأدنى المطلوب من النشاط البدني
لتفادي هذه المخاطر، توصي الجمعية -بالاستناد إلى معايير منظمة الصحة العالمية- بضرورة ممارسة 150 دقيقة على الأقل من التمارين متوسطة الشدة أسبوعيا، مثل المشي السريع أو ركوب الدراجة الهوائية.
أما بالنسبة للأشخاص الذين يفضلون التمارين المكثفة، فيمكنهم الاكتفاء بـ 75 دقيقة من النشاط عالي الشدة أسبوعيا، مثل الركض أو التدريب المتقطع المكثف (HIIT).
إلى جانب ذلك، تشدد التوصيات على ضرورة ممارسة تمارين تقوية العضلات مرتين أسبوعيا على الأقل، باستخدام أدوات بسيطة أو حتى وزن الجسم، مثل تمارين الضغط (Push-ups)، التي تُسهم في بناء القوة العضلية وتحسين التوازن الجسدي.
دمج الحركة في تفاصيل الحياة اليومية
الجمعية أكدت أنه لا يشترط الانضمام إلى نادٍ رياضي لتحقيق نمط حياة نشط، إذ يمكن دمج النشاط البدني في الروتين اليومي من خلال خطوات بسيطة وفعالة، ومنها:
- صعود الدرج بدلا من استخدام المصعد، وهو تمرين فعّال يُسهم في تقوية عضلات الساقين والفخذين والأرداف، خصوصا إذا تم تكرار ذلك مرتين أو 3 مرات يوميا.
- إنجاز المشاوير القريبة سيرا على الأقدام أو باستخدام الدراجة الهوائية بدلا من السيارة، مما يُساهم في رفع معدل الحركة دون الحاجة إلى تخصيص وقت إضافي للرياضة.

الوقاية تبدأ بخطوة.. والتحرّك مفتاح العافية
تشدد جمعية التأمين الصحي الألمانية على أن تبنّي أسلوب حياة نشط لا يتطلب تغييرات جذرية، بل يبدأ بخطوات بسيطة تتكرر بانتظام. فالحركة اليومية -مهما بدت محدودة- تُعد استثمارا في الصحة الجسدية والنفسية على المدى الطويل، وتُقلل بشكل واضح من احتمالية الإصابة بالأمراض المزمنة واضطرابات المزاج.
وفي عالم يتجه سريعا نحو أنماط معيشة أكثر ثباتا وهدوءا بدنيا، يصبح الحفاظ على النشاط اليومي مطلبا صحيا أساسيا لا غنى عنه، يقي من مشكلات المستقبل، ويُعزز الشعور بالحيوية والتوازن.