مراسلو الجزيرة نت
القاهرة/أنقرة- أنهت زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للقاهرة نحو 10 سنوات من القطيعة بين البلدين، إثر رفض أنقرة للإطاحة بالرئيس الراحل محمد مرسي، وتصاعد التوتر حتى أوشك البلدان على مواجهة عسكرية مباشرة في ليبيا إثر تدخل تركيا لمنع سقوط العاصمة طرابلس في يد اللواء المتقاعد خليفة حفتر المدعوم مصريا وإماراتيا.
ورأى مراقبون أن هذه الزيارة افتتحت تعاونا واعدا، وأشاعت أجواء من التفاؤل بالبلدين، لتدفع بالعلاقات قدما للأمام، كما جاءت في لحظة توتر إقليمي فارقة، في ظل العدوان الإسرائيلي على غزة، لتشكل دعما لموقف مصر في مواجهة التهديدات الإسرائيلية للأمن القومي المصري.
وسيرد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي زيارة أردوغان التي وصفها بـ”صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين” بتلبية الدعوة لزيارة تركيا خلال أبريل/نيسان المقبل، للمشاركة في جلسات مجلس التعاون الإستراتيجي.
نظام أمني إقليمي
ورأى محللون بمصر أن التقارب مع تركيا له تأثيرات إيجابية على غزة، انطلاقاً من وزن البلدين، حيث إن رفضهما للحرب وتهجير الفلسطينيين وشن عملية على مدينة رفح سيشكل رسالة واضحة يصعب على واشنطن والاتحاد الأوروبي تجاهلها، فضلا عن أن هذا التقارب سيسعى لحصار المواقف الإسرائيلية في المنظمات الدولية.
وجاءت كلمة أردوغان بشأن العدوان على غزة لتؤكد أن السعي لتوصيل المساعدات إلى غزة من أهم أولويات البلدين، معربًا عن تقديره لدور مصر برفض التهجير القسري، واتفق الرئيسان على ضرورة وقف إطلاق النار في قطاع غزة فورا، وتهدئة التوتر في الضفة الغربية، وصولًا لتحقيق السلام، كما أكد أردوغان أن بلاده ستظل على تعاون مع مصر لإعادة إعمار غزة.
ويرى السفير معصوم مرزوق مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق أن هذه الزيارة ستطوي الخلافات بين البلدين، وتتجاوز العثرات طوال السنوات الماضية، مع الإقرار بوجود اختلافات في وجهات النظر حول ملفات عديدة، مضيفاً في حديثه للجزيرة نت بأنها “خلافات يمكن تسويتها وفقاً لمصالح البلدين العليا، والوصول لحلول وسط بين العاصمتين”.
وأكد السفير أن زيارة أردوغان للقاهرة “قد تصب في صالح وجود نظام أمني إقليمي يجمع العديد من القوى الإقليمية المهمة، في ظل التهديدات التي تحاصر دول المنطقة، بشكل يستوجب معه ضرورة التنسيق بين هذه القوى الكبرى، لتدشين نظام يتصدى للتهديدات، وخاصة تجاه الأوضاع في غزة”.
وقال أيضا إنه “من المؤكد أن الزيارة تعتبر نقلة نوعية في علاقات البلدين، لكن هذا التطور لن يتم بين ليلة وضحاها، بل سيتطلب بعض الجهود، خاصة إذا خلصت نوايا البلدين”.
الاقتصاد أولوية
لم تؤثر حالة الجمود والتوتر السياسي بين القاهرة وأنقرة طوال العقد الماضي سلباً على علاقاتهما الاقتصادية، حيث إن أرقام التبادل التجاري بينهما وصلت إلى 10 مليارات دولار عام 2022، لصالح تركيا في المقام الأول. وأكّد السيسي خلال اللقاء بأن مصر سترفع مستوى التبادل التجاري مع تركيا إلى 15 مليار دولار عبر عدة اتفاقات، وهو ما أكده الرئيس أردوغان في كلمته بدوره.
وقد اعتبر الخبير الاقتصادي المصري هاني عادل أن “زيارة أردوغان وما أحاط بها من زخم ستصب إيجابا في صالح التعاون لدعم الاقتصاد المصري، الذي يعاني من صعوبات شديدة، ويزيد معدلات التبادل التجاري، خاصة أن ثقل تركيا الاقتصادي قد يشكل دعما لمصر”.
وأعرب عن توقعاته بأن يضاعف التحسن في العلاقات السياسية الاستثماراتِ التركية في مصر، والتي تتجاوز ملياري دولار، وقد تتوسع لتشمل مجالات جديدة مثل ثروات شرق المتوسط وقطاعات الغزل والنسيج والبتروكيماويات، فضلا عن إزالة أي معوقات للصادرات المصرية لتركيا، بشكل يوازن التبادل التجاري.
وأشار الخبير الاقتصادي إلى حاجة البلدين لجولات مفاوضات مكثفة كي تتم مبادلة العملات المحلية في التعاملات التجارية، لافتا إلى غياب محافظي البنك المركزي في البلدين عن حضور مراسم الزيارة، مما يعني تأجيل هذا الملف.
ارتياح في أنقرة
وبدت حالة مماثلة من الارتياح للزيارة داخل الأوساط التركية، حيث اعتبرها مراقبون أتراك “تاريخية” وستشكل صفحة جديدة للعلاقات مع مصر، وتفتح الباب أمام مسارات إيجابية لها على كافة الأصعدة، والبناء على تاريخ واسع من التعاون بينهما طوال العقود الماضية، والاستفادة من التقارب الذي رسخته الزيارة لتحسين العلاقات على كافة الأصعدة سياسيا واقتصاديا وعسكريا، في ظل مفاوضات لتزويد مصر بطائرات مسيرة تركية.
ورأى مراقبون أتراك أن أنقرة تسعى عبر الزيارة لتعزيز نفوذها الإقليمي، وتوسيع تأثيرها في القارة الأفريقية، وتعميق الروابط مع العالم العربي، كما تستهدف ترسيخ الحضور بشكل أقوى في القضية الفلسطينية، ودعم الاستقرار السياسي في ليبيا، بالإضافة إلى حماية مصالحها شرق المتوسط.
كما ترمي أنقرة إلى توسيع فرص التصدير إلى الأسواق النشطة بالفعل بالنسبة لتركيا، كما يُتوقع أن ينتج عن الشراكة في مجال الصناعات الدفاعية تأثيرات تعزز القدرات العسكرية للطرفين، مما يعد بتحول إستراتيجي قد يعيد تشكيل ملامح التعاون الإقليمي، في ظل العلاقات الجيدة التي تمتلكها القاهرة مع قبرص واليونان.
وعن تأثير الزيارة على الأوضاع في غزة، أشار الباحث السياسي إبراهيم أوزغور في حديثه للجزيرة نت إلى أن “السياسة الخارجية لأردوغان، خاصة المتعلقة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، تعكس التزاماً عميقاً بالأيديولوجيا يتجاوز غالباً الجيوسياسية البراغماتية” واعتبر أن التضامن التركي مع الفلسطينيين يعد عنصرا أساسيا في هوية تركيا السياسية، مما يؤثر بشكل كبير على موقفها تجاه إسرائيل وعدوانها على غزة.
وأضاف أنه “على الرغم من تاريخ العلاقات المتقلبة مع إسرائيل، فقد اتخذ أردوغان موقفًا أكثر حدة ضدها في ضوء التصعيد الأخير في غزة، وأكد دعمه للقضية الفلسطينية، وهو موقف يتماشى مع رؤيته الأوسع للسياسة الخارجية، التي تضع تركيا كحامية المسلمين في المنطقة، بما في ذلك الفلسطينيون”.
وأشار الباحث إلى أن “الزيارة تدعم تحولاً محتملا في الديناميكيات الإقليمية، حيث يسعى أردوغان لاستخدام العلاقات مع مصر في لعب دور أكثر بروزًا في التوسط في صراع غزة” وشدد على أن “الواقع السياسي الراهن يحتم على تركيا ضرورة تعزيز دورها الفاعل في المنطقة” لافتا إلى أن مصر تمثل ركيزة أساسية لعدة ملفات تطمح تركيا للانخراط بها، مما يدفع القيادة التركية للسعي نحو تقوية الصلات مع القاهرة.