مراسلو الجزيرة نت
درنة- في سيارته العالقة بصف طويل من المركبات، يقضي الصحفي محمد أبو السرايا قرابة ساعة كاملة في المشوار الذي لم يكن يستغرق أكثر من 10 دقائق على الجسر المؤقت الرابط بين شرق مدينة درنة الليبية وغربها، أو هكذا قالت عنه فرق الإنقاذ التي شيدته في الأيام الأولى لكارثة الفيضانات ليلة العاشر من سبتمبر/أيلول من العام الماضي.
وتعاني درنة من اختناق مروري بسبب ما فقدته من طرق وجسور وشوارع بأكملها في إعصار دانيال الذي تسبب بفيضانات دمّرت سديْ وادي درنة، وأغرقت أجزاء واسعة من المدينة، مخلّفة آلاف القتلى والمفقودين إلى جانب ركام البنايات المهدمة وبقايا السيارات المدمرة في الشوارع، رغم مرور أكثر من 3 أشهر على الكارثة.
فساد أم سوء إدارة؟
أما عن الاحتياجات من السلع والمواد الأساسية، فهي وإن لم تعُد تقارن بالأسابيع الأولى للكارثة، لكنها لا تزال دون المستوى “فحجم ما دخل درنة من مساعدات محلية ودولية كبير لا يتناسب مع ما وزّع منها، ولا نعلم هل كان السبب مجرد سوء إدارة أو شيء آخر؟” كما يؤكد الصحفي أبو السرايا للجزيرة نت.
لكن أكثر ما يشكو الأهالي من نقصه حاليا “الوقود وغاز الطهي، وهي المشكلة التي لم تحلّ جذريا حتى اليوم، فلا يدخل المدينة سوى كميات محدودة بالكاد تسد الحد الأدنى من احتياج بعض الأهالي” يضاف إليها ما سببه فقدان درنة لأهم أسواقها ومراكزها التجارية وسط المدينة، التي جرفتها السيول من نقص وغلاء في العديد من السلع، حسب أبو السرايا.
ويقول للجزيرة نت، إن أسواقا وشركات ومكاتب خدمية وعيادات طبية ومطاعم ومقاهٍ، كانت تشكل مركزا تجاريا وخدميا رئيسا لدرنة وضواحيها اختفت بين يوم وليلة، فتسبب في زيادة المعاناة إضافة إلى أزمة نقص السيولة بالمصارف التجارية التي تضرر معظمها بسبب الفيضانات “ما اضطر بعض المواطنين للتنقل إلى مدن مجاورة لسحب معاشاتهم من مكاتب صرافة خاصة”.
وضع بيئي مقلق
بعد مرور 3 أشهر على الكارثة وعكس ما كان متوقعا، يقول مدير المركز الوطني للأمراض السارية بفرع درنة مجدي إدوال، إنهم لم يسجلوا أي حالات وباء أو انتشار لأمراض معدية. وأن “غرفة الطوارئ بالمركز تتابع الوضع الصحي بالمدينة والمدن المجاورة، وتنفذ جولات ميدانية دورية بالمستشفيات والمراكز الصحية”.
ويعمل المركز على توفير التحاليل لتشخيص الأمراض الوبائية، وفيه جهاز لتحليل المياه والتأكد من خلوها من الأمراض المعدية. كما أطلق حملة بالتعاون مع منظمة اليونيسيف بعنوان “مياه آمنة لحياة صحية” بعدما لحق المياه الجوفية من تلوث جراء الجثث المتحللة، ونفوق الحيوانات، واختلاط مياه الآبار بمياه الصرف الصحي.
وهذه الإجراءات الرسمية لم تمنع المختص في الأمراض الباطنية وعضو هيئة التدريس بكلية الطب بجامعة درنة عماد القبائلي، من ربط ما تشهده المدينة والمناطق المجاورة من تفشي الإنفلونزا والنزلات المعوية، وبعض الأمراض الأخرى بالتبعات الصحية والبيئية للفيضانات غير المسبوقة.
ويرى الطبيب عماد القبائلي، أن القطاع الصحي في درنة وبقية المناطق المتضررة تأثر كليا بانهيار البنية التحتية وفقدان العديد من الطرق وصعوبة التنقل، كما تعطل عمل كثير من المستشفيات والعيادات والمراكز الصحية والصيدليات التي تهدّم بعضها كليا، كما يؤكد للجزيرة نت.
مشروعات متعثرة
أما ملف إعادة الإعمار، فتعصف به الخلافات الكبيرة ومحاولة كل طرف الاستيلاء على المشروعات وإقصاء الطرف الآخر، وتحدّث أحد أعيان مدينة درنة؛ وهو هويدي القزيري، مستغربا من تكليف أحد أبناء حفتر “بطريقة مباشرة ومخالفة للقوانين بملف إعادة الإعمار، دون أي خطة واضحة تشرك فيها الحكومة والمصرف المركزي”.
ومع تشديده على ضرورة إنهاء ملف انتشال الجثث المبعثرة حتى اليوم، يقول القزيري، إن الهلال الأحمر لا يزال يعلن بين فينة وأخرى عن انتشال بعضها من البر والبحر. ويشير إلى أن مشروعات إعادة إعمار تعثرت بسبب خلافات سياسية، رغم رسو عطاءات العقود على شركتين؛ إحداها: تركية، والأخرى صينية أكدتا منذ وقت جاهزيتهما للبدء بالتنفيذ، كما يؤكد القزيري للجزيرة نت.
على الأرض، يقول عدد من الأهالي للجزيرة نت، إن “درنة على حالها منذ توقف الإعصار قبل 3 أشهر” باستثناء جهودهم الخاصة وبعض المتطوعين من شباب المدينة والمناطق المجاورة، إذ لم يبدأ أي مشروع سوى مشروع توسعة مجرى وادي درنة، الذي شرعت إحدى الشركات المصرية في تنفيذه.
بداية مخيبة
غير أن أحد سكان منطقة “الوادي” تحدث عن تعرض الأهالي لـ”مصادرة أملاكهم دون وجه حق، ودون أي تعويضات أو اتفاق مرضٍ” مؤكدا للجزيرة نت تقديمه، مع 150 عائلة من جيرانه من سكان ضفتي وادي درنة، شكوى للنائب العام في طرابلس لوقف هذا المشروع.
وكانت وعود بجبر الضرر وإعادة إعمار المدينة المنكوبة انهالت على السكان من سلطات الشرق والغرب الليبي، لكن الخلافات السياسية بينهما عطلت كل شيء، كما يؤكد هويدي القزيري المتخوف من مصير يشبه “ما حدث مع ملف إعادة إعمار وسط بنغازي، الذي ما زال مدمرا بالكامل؛ بسبب الحرب منذ 2017 حتى الآن”.
ويكمل الصحفي محمد أبو السرايا جولته على ما تبقى من طرقات المدينة المدمرة، محاولا توثيق ما أمكن من احتياجات ضرورية للسكان على مستوى كل القطاعات الخدمية والمعيشية والصحية، دون أن ينسى أن يذكّر بما آل إليه حال التعليم بالمدينة بعد تضرر العديد من المدارس بشكل كامل أو جزئي، وفقدان قرابة 160 معلما ومعلمة جراء الفيضان.