منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأوّل 2023، هناك تخبط واضح وفشل لدى دولة الاحتلال الإسرائيلي في عدة مجالات، وأبرزها في المجال الدبلوماسي. وهناك العديد من المؤشرات على ذلك، بدءًا من الهجوم على أكبر منظمة دوليّة وهي الأمم المتحدة وفرعها الإغاثي الأونروا، وصولًا إلى قطع عدة دول علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع دولة الاحتلال.
ولكن ما برز بشكل فجّ وغير مسبوق هو هجوم دولة الاحتلال الإسرائيلي على الوسطاء الذين يبذلون مساعيَ حثيثة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.
بشكل عام، يلعب الوسطاء دورًا حيويًا في حلّ النزاعات ويسهّلون الحوار للوصول إلى حلول توافقية. لذا، فإنّ الهجوم على الوسيط من قبل أحد أطراف الصراع يعكس 3 أمور رئيسية: أولها أنه يعكس رغبة الطرف المهاجم في استمرار الصراع، وثانيًا يعكس عدم احترامه لدور تحثّ عليه الأعراف الدولية، وثالثًا يؤثر سلبًا على سمعة الطرف المهاجم دوليًا.
الهجوم على الوسيط القطري
بالرغم من أن قطر لعبت دورًا مهمًا في الأسابيع الأولى للحرب في السعي للوصول إلى وقف إطلاق النار، ونجحت في تحقيق قبول لإطلاق عدد كبير من المحتجزين الذين كانوا بيد المقاومة الفلسطينية في غزة، فإن مسؤولين من دولة الاحتلال هاجموا قطر على مدار أشهر، واعتبروها مسؤولة عما حدث. ومن بين هؤلاء رأس الدبلوماسية الإسرائيلية، وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك إيلي كوهين، الذي اتهم قطر بتمويل وإيواء قادة حماس، كما طالب كوهين أعضاء المجتمع الدولي بالضغط على قطر للضغط على حماس.
أما وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، المعروف بتشدده، فقد اتهم في يناير/كانون الثاني 2024، قطر بدعم الإرهاب وتمويله. ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل اتهم سموتريتش الدول الغربية التي تحافظ على علاقات جيدة مع قطر بالنفاق، مطالبًا بمزيد من الضغط عليها. وبالطبع، فقد اعتبرت الخارجية القطرية هذه التصريحات غير مسؤولة ومدمرة للجهود المبذولة لوقف إطلاق النار.
وفي أبريل/نيسان 2024، هاجم وزير الاقتصاد الإسرائيلي نير بركات، قطر، مشيرًا إلى أنه لا يثق في قيام قطر بدور الوسيط مع حركة حماس. من الواضح أن بركات انضم إلى زملائه في هذا الهجوم لجني ثمار موقف شعبوي وتعزيز مستقبله السياسي.
ومن بين آخر المواقف كانت التعليقات على البيان الثلاثي الصادر عن الوسطاء في أغسطس/آب 2024، الذي قال إنه “ينبغي عدم إضاعة مزيد من الوقت، كما يجب ألا تكون هناك ذرائع من قبل أي طرف لتأجيل آخر.. حان الوقت الآن للإفراج عن الرهائن وبدء وقف إطلاق النار وتنفيذ هذا الاتفاق”. وقد وصف سموتريتش بيان الوسطاء بأنه فخّ خطير، مؤكدًا أن الوقت لم يحِن بعد لفخّ يملي فيه الوسطاء صيغة اتفاق استسلام على إسرائيل.
الهجوم على الوسيط المصري
في الأيام الأخيرة، كثفت دولة الاحتلال الإسرائيلي هجومها على وسيط آخر، وهو مصر، التي ترفض بقاء دولة الاحتلال في محور فيلادلفيا. وقد اتهم مسؤولون من دولة الاحتلال، على رأسهم نتنياهو، مصر بتسهيل تهريب السلاح إلى حماس عبر رفح. وقد أعربت الخارجية المصرية عن رفضها هذه التصريحات، واعتبرت الزجّ باسم مصر محاولة لتشتيت انتباه الرأي العام الإسرائيلي، وتعقيد جهود الوساطة، وعرقلة التوصل إلى وقف إطلاق النار.
إحراج الوسيط الأميركي
يراهن بنيامين نتنياهو على عودة الحزب الجمهوري عبر دونالد ترامب إلى البيت الأبيض مجددًا. ولذلك، وعلى الرغم من الدعم المفتوح من الإدارة الديمقراطية الحالية بقيادة جو بايدن ونائبته كامالا هاريس، والتي تخوض مواجهة حاسمة أمام ترامب، فإن ميل نتنياهو إلى فوز ترامب دفعه لاتخاذ خطوات تحرج الوسيط الأميركي الحالي بقيادة الديمقراطيين. ولعل 9 جولات فاشلة قام بها بلينكن إلى المنطقة دون أن تسفر عن أي نجاح، تظهر الإدارة الأميركية بصورة العاجز والضعيف.
وقد تعمّد نتنياهو إحراج بايدن من خلال انتقاد أدائه بشأن شحنات السلاح، حيث قال نتنياهو: “توجهنا إلى أصدقائنا الأميركيين بطلب لتسريع إرسال الأسلحة، وتلقينا كل أنواع التفسيرات، لكن الوضع لم يتغير، بعض الأشياء وصلت بالتنقيط والكتلة الكبرى لم تصل”.
كما أن بايدن طلب عدم اقتحام رفح، ولا يزال الجيش الإسرائيلي يدمر في رفح منذ 5 أشهر. ولم يتجاوب نتنياهو بشكل عملي مع مقترح بايدن لوقف إطلاق النار الذي أقرّه مجلس الأمن، مما أظهر واشنطن مرة أخرى كضعيفة وعاجزة.
الهجوم على المنظمات الدولية
صحيح أن دولة الاحتلال الإسرائيلي كانت ترفض قرارات الأمم المتحدة وتنكرها، لكن منذ الأيام الأولى للعدوان الإسرائيلي على غزة، وضعت حكومة الاحتلال نفسها في مواجهة مع أكبر منظمة دولية. فقد هاجم يسرائيل كاتس وزيرُ الخارجية الإسرائيلي، الأمينَ العامَّ للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش وطالبه بالاستقالة، كما أن ممثل الاحتلال لدى الأمم المتحدة، جلعاد أردان، مزّق ميثاق الأمم المتحدة علنًا، وأعلن رفض منح تأشيرات لمسؤولين في الأمم المتحدة، قائلًا بوضوح إن هذا القرار كان “لتلقينهم درسًا”.
كما قامت دولة الاحتلال بشيطنة مؤسسات إغاثية دولية مثل الأونروا، وشنّت حولها حملة مضللة، ساهمت للأسف في قطع الدعم عنها في أكثر الأوقات التي احتاج فيها الشعب الفلسطيني إلى الدعم الإنساني والإغاثة.
لماذا تستهدف إسرائيل الوسطاء؟
تتعامل دولة الاحتلال بفوقية وعجرفة عالية جدًا، حيث تريد أن توظف كل الأدوار لصالحها، بمن في ذلك الوسطاء والمنظمات الدولية. ولا تريد أن تستمع إلى النقد، بل هي مستعدة للهجوم والشيطنة لكل من يقوم بانتقادها على جرائمها المشهودة، التي جرت العادة أن تهرب من المساءلة عليها.
من زاوية أخرى، تهدف حكومة الاحتلال إلى تضليل الرأي العام الدولي والداخلي من خلال الهجوم على الوسطاء وتحميلهم المسؤولية لتغطية موقفها المتعنت، الذي يعيق التوصل إلى وقف إطلاق النار.
إن استهداف الوسطاء يعني تعقيد عملية التوصل إلى وقف الحرب، وزيادة معاناة المدنيين النازحين الذين باتوا قرابة العام في حالة كارثية؛ بهدف زيادة الضغط على الحاضنة الشعبية. وهو ما يخدم موقف نتنياهو وحلفائه الذين يسعون إلى إطالة أمد الحرب.
وعلى المستوى الإقليمي، يرتبط الهجوم على الوسطاء برغبة في إفشال جهودهم؛ بهدف زيادة التصعيد وتوسيع ساحات الصراع. وهذا يتأكد الآن مع تعنت نتنياهو في غزة وزيادة التوتر على الجبهة الشمالية مع لبنان.
لهذا، لا بد من موقف واضح وحاسم من الوسطاء تجاه الدور السلبي للاحتلال، وتوعية الرأي العام الدولي والمحلي بحقيقة الموقف. كما أن التضامن بين الوسطاء يضيف قوة إلى موقفهم، وقد لاحظنا ذلك، حين عبّرت قطر عن تضامنها الكامل مع مصر، كما دعمت منظمة التعاون الإسلامي الموقف المصري، ونددت بالهجوم الإسرائيلي. وكذلك تحتاج المنظمات الدولية إلى ممارسة دور أقوى في مساندة الوسطاء.
لقد أظهر السابع من أكتوبر/تشرين الأول الوجه الحقيقي لدولة الاحتلال، التي تخلت حتى عن الدبلوماسية كأداة سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي، ومارست جرائم الإبادة الجماعية، ولا تزال تواصلها دون رادع.
وفي ظل التخبط الذي يعيشه الاحتلال، فقد بدأ بممارسات عدوانية حتى تجاه الوسطاء والمنظمات الدولية، مما أدى إلى تدهور صورته وتعزيز موقف المقاومة الفلسطينية.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.