“يسعدني أن أعلن أن العظيم إيلون ماسك سيتولى قيادة وزارة كفاءة الحكومة (DOGE)، بالتعاون مع الوطني الأميركي فيفيك راماسوامي”. هذا ما أعلنه الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب الثلاثاء ضمن سلسلة إعلاناته المتتالية عن المرشحين للانضمام إلى إدارته الجديدة.
وأصبح ترامب ثاني رئيس في تاريخ الولايات المتحدة يتمكن من استعادة السلطة بعد فقدها، وذلك عقب فوزه الكبير على منافسته كامالا هاريس نائبة الرئيس الحالي جو بايدن في الانتخابات التي جرت في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري.
الرئيس العائد الذي اعتاد أن يكون مثيرا للجدل، كان وفيا لعادته وهو ما ظهر من التعيينات التي بدأ الإعلان عنها هذا الأسبوع تمهيدا لتسلمه السلطة رسميا في الـ20 من يناير/كانون الثاني المقبل.
فكثير من الشخصيات التي اختارها ترامب لمناصب كبرى تخرج عن دائرة السياسيين التقليديين وهي إما أنها تناسب شخصيته المتقلبة أو لا تقل عنه إثارة للجدل سواء بتوجهاتها أو حتى بجدارتها بالنظر إلى خلفياتها السابقة، وذلك وفقا لوسائل إعلام أميركية ودولية.
من أبرز الأمثلة على ذلك بيتر هيغسيث (44 عاما) الذي اختير وزيرا للدفاع، في قرار فاجأ حتى أعضاء في حملة ترامب نفسه وصفوه بالمفاجئ بل والصادم.
فرغم أن هيغسيث كان جنديا سابقا شارك في الحرب الأميركية على كل من أفغانستان والعراق، فإنه تحول إلى العمل بالإعلام في السنوات الأخيرة فالتحق بشبكة فوكس نيوز وأصبح مقدما مشاركا لأحد برامجها.
ومع الجدل بشأن المناصب السياسية والعسكرية الكبرى، جاء القرار المتعلق بإيلون ماسك، أغنى رجل في العالم، ليخطف جانبا كبيرا من الأضواء، فما هي قصة ماسك وعلاقته بترامب؟ وما هو منصبه الجديد؟
ملياردير بـ3 جنسيات
ربما يكون أكثر الأوصاف دقة واختصارا لإيلون ماسك هو الإشارة إلى أنه أغنى رجل في العالم.
ماسك المهندس والمخترع والملياردير، تصدر قائمة أغنى أغنياء العالم وفقا لمجلة فوربس التي قدرت ثروته بـ250 مليار دولار أميركي.
ليس هذا فقط، بل يرتبط اسم الرجل بـ3 علامات تجارية من بين الأكبر والأشهر في العالم، وهي شركة تسلا للسيارات الكهربائية، وشركة تقنيات استكشاف الفضاء المعروفة تجاريا بـ “سبيس إكس” (SpaceX)، إضافة إلى موقع “إكس” (تويتر- سابقا).
ولد في جنوب أفريقيا عام 1971، ثم هاجر إلى كندا عام 1988، وحمل جنسيتها، قبل أن يستقر به المقام في الولايات المتحدة حيث حصل على الجنسية الثالثة فضلا عن الكثير من المال والشهرة والنفوذ.
محبة بعد عداء
المثير في علاقة الرجلين أن ماسك شن هجوما حادا على ترامب عندما ترشح لانتخابات الرئاسة عام 2016 عن الحزب الجمهوري في مواجهة المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون.
ماسك أيد كلينتون بشدة خصوصا ما يتعلق ببرنامجها الاقتصادي والبيئي، واعتبر أن ترامب “ليس الرجل المناسب” لرئاسة البلاد، وأن شخصيته “لا تعكس صورة جيدة للولايات المتحدة”.
ومع ذلك فقد سعى ترامب بعد توليه السلطة إلى استقطاب ماسك وعينه ضمن مجلس استشاري اقتصادي، لكن الأخير سرعان ما استقال أواسط عام 2017 احتجاجا على قرار ترامب بانسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ.
وفي عام 2020 بدأت العلاقة بين الرجلين في التحسن، خصوصا عندما دعم ترامب موقف ماسك في صراعه مع سلطات ولاية كاليفورنيا، التي أغلقت تسلا أثناء جائحة كورونا، قبل أن يصفه بأنه أحد العباقرة العظام في الولايات المتحدة.
لكن التقلب ظل سيد الموقف، فقد توترت الأجواء بين الرجلين من جديد في عام 2022 عندما أعلن ترامب اعتزامه الترشح للرئاسة مجددا، ورد ماسك بانتقاد هذه الخطوة مذكرا ترامب بأنه “كبير جدا في السن”.
وقبل 3 أشهر فقط من انتخابات الرئاسة الأخيرة طرأ التحول الأكبر في علاقة الرجلين، عندما انحاز ماسك بشكل كبير إلى ترامب وسخر منصة تويتر لدعمه في مواجهة بايدن ومن بعده كامالا هاريس.
لم يكتف ماسك بالدعم المعنوي رغم أهميته، وإنما دخل ساحة الدعم المادي بسخاء بالغ، حيث وصل حجم مساهماته لحملة ترامب إلى أكثر من 110 ملايين دولار.
وخطف الرجل الأنظار عندما قرر التبرع بمليون دولار يوميا.
صاحب تسلا وتويتر الذي كان يرى ترامب كبيرا جدا في السن بشكل لا يناسب منصب الرئيس، عاد ليقول إنه هو من سيجعل الولايات المتحدة عظيمة مرة أخرى، وإن فوزه ضروري للحفاظ على الدستور والديمقراطية.
رد الجميل
ترامب رد المديح بمثله فوصف ماسك بالعبقري والعظيم، أما التمويل فيبدو أن الرد بشأنه سيكون عبر منصب يزيد من دائرة التأثير والنفوذ ومن خلفهما المصالح.
فرائد التكنولوجيا ورجل الأعمال الشهير سيتولى وزارة مستحدثة تحمل اسم وزارة كفاءة الحكومة، وذلك بالمشاركة مع فيفيك راماسوامي وهو أيضا رجل أعمال من الشخصيات البارزة في عالم الاستثمار والتكنولوجيا والأدوية.
ترامب تحدث عن الوزارة الجديدة، معتبرا أنها “ستصبح بمثابة مشروع مانهاتن” في عصرنا الحالي “فقد حلم السياسيون الجمهوريون بأهداف “دوغ” (DOGE) لفترة طويلة”.
ومشروع مانهاتن هو مشروع علمي وعسكري أميركي سري بدأ في عام 1942 أثناء الحرب العالمية الثانية لتطوير أول قنبلة نووية في العالم.
وأوضح الرئيس المنتخب أن الوزارة المستحدثة “ستقدم النصح والإرشاد من خارج الحكومة، وستعمل مع البيت الأبيض ومكتب الإدارة والميزانية لدفع إصلاحات هيكلية واسعة النطاق، وإنشاء نهج ريادي في الحكومة لم يُرَ مثله من قبل”.
وأعرب ترامب عن تطلعه لأن تعمل الوزارة الجديدة على تغيير البيروقراطية الفدرالية، والتركيز على الكفاءة، مؤكدا أن الأهم هو القضاء على الهدر الهائل والاحتيال الموجود في إنفاق الحكومة السنوي البالغ 6.5 تريليونات دولار.
مخاوف
الوزارة التي أوضح ترامب أنها كانت من بنات أفكار إيلون ماسك لقيت اهتماما من وسائل إعلام مختلفة، حيث أوضحت وكالة الأناضول أن اسمها له رمزية خاصة تجسد طيفا واسعا من الرموز الثقافية والتاريخية، فالاسم “DOGE” يمثل الأحرف الأولى من وزارة كفاءة الحكومة (Department of GOvernment Efficiency).
لكنه في الوقت ذاته يحمل معاني أخرى متعددة، إذ يشير إلى لقب تاريخي كان يُمنح لرؤساء الدولة في مدن إيطالية مثل البندقية وجنوة، حيث كان الـ”دوغ” رمزًا للحكم والقوة.
أما موقع الحرة الأميركية وصحيفة غارديان البريطانية -وغيرهما- فلفتا النظر إلى مخاوف جدية من تضارب المصالح بالنظر إلى أن شركات ماسك الست متشابكة بعمق مع الوكالات الفدرالية، وتجني مليارات الدولارات سنويا من عقود إطلاق الصواريخ، وتستفيد من بناء الأقمار الصناعية وخدمات الاتصالات الفضائية.