دمشق- يتعطل السير قبل حوالي 3 كيلومترات من باب سجن صيدنايا الأول، أو إلى “المسلخ البشري” كما يُسميه السوريون، وقرب محطة “منين” للمحروقات، نركن السيارة ونبدأ الصعود مشيا على الأقدام.
بين الأهالي القادمين المئات من النساء والعجائز لا يستطيعون عبور الطرقات الوعرة بسهولة، وينتقلون ببطء شديد نتيجة الازدحام.
البعض يمضي يومه الثاني هنا، ينامون في الطريق أو في سياراتهم. الشبكة معدومة، وآخرون ينتظرون بكل أمل أي تغيير يحصل في الأعلى، أي إيجاد باب سري أو فك شيفرات، أي شيء.
ومع وصول أي سيارة إسعاف، يهرع الجميع ويختفي التعب لتأتي القدرة على الركض والتسلّق، وتختلط التكبيرات والزغاريد مع إطلاق الرصاص في الهواء.
حسب المتداول، بناء السجن محاط بالألغام وجرت عمليات إحراق للعشب لتحديد مسارات آمنة للصعود بين البابين الثاني والثالث. أما أوراق السجن فمتناثرة في محيطه والأهالي الملوّعون يبحثون في قوائم الطعام عن اسم يعرفونه، وبعض السجلات تعود لعام 2005، فلا جدوى، وآخرون يبحثون عن أسماء المتوفين بغية الحصول على خاتمة والتسليم بقضاء الله.
محاولات مستمرة
بوابة السجن الأساسية التي تفصلنا عن الزنازين مغلقة من قِبل قوات هيئة تحرير الشام لإفساح المجال لحركة سيارات الإسعاف وآليات الحفر، وأفرادها يحاولون الشرح للمزدحمين على الأطراف أن ذويهم في السجن أيضا، وأن الناجين إن وجدوا سينقلون فورا للمشافي.
يخبر أحد المتطوعين من الدفاع المدني (القبعات البيضاء) الأهالي أن المحاولات لا تنتهي، لكن الزحام الكبير يعطل العمل، فيما تصرخ إحدى متطوعات الهلال الأحمر بأن هناك معتقلا محررا جلبته سيارات الإسعاف من المشفى ليساعد في البحث، وأن وفاته قد تعني تلاشي أية معلومة عن المفقودين.
في داخل السجن الهواء ثقيل، والظلام دامس، وسعي الأهالي للدخول لا يتوقف عند البوابة، البعض يتسلق الجدار ليدخل من الأعلى، ويلتصق آخرون بالبوابة ويحاولون الرؤية من الثقوب أو أسفل الباب.
ذاكرة عذاب
لا تغيب اللعنات على عائلة الأسد، ويطالب بعض الأهالي بالسجانين والضباط المشرفين على السجن، ويفكر آخرون بالذهاب لسجون أخرى. وتشتعل ذاكرة عذاب السوريين عن كل معتقل سري سمعوا به، فيخبو الأمل ويتجدد.
عند النزول نصادف حشودا قد وصلت للتو ولوحات السيارات تشير إلى كل المحافظات، درعا، وحلب، وريف دمشق، وإدلب، وطرطوس.
تملك نقاط المراقبة على طول الطريق فتحات للقنص، أسفلها حُفر للصرف الصحي، جرت محاولات اكتشاف إن كانت تودي لأي درب داخل السجن. بعد ذلك ملعب كرة قدم للسجانين، وحقل للتدريب حددته الإطارات المطاطية.
يلهو بعض اليافعين بالدبابة المتروكة أمام السجن، في حين يلتقط آخرون صورا تذكارية مع سيارة الشرطة العسكرية متشحين بعلم الثورة السورية، بعدما دأبت هذه السيارات على نقل المعتقلين إلى هنا ودبت الرعب في قلوب الشباب السوري، لعقود طويلة.
ليلة قاسية
يزداد اشتعال العشب حول السجن وتنخفض درجات الحرارة قبيل ليلة أخرى قاسية تمر على ذوي المعتقلين، في حين يتردد صدى الغارات الإسرائيلية قرب الحدود مع لبنان، ليكتمل مشهد تركة الأسد في سوريا.
وأعلنت قوى الدفاع المدني عن انتهاء عمليات البحث، مساء أمس الاثنين، وأكدت أنها لم تعثر على أي دليل يؤكد وجود أقبية سرية أو غير مكتشفة في سجن صيدنايا، وهو الأمر ذاته الذي فعلته “رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا” منذ بداية اليوم، وأكد بيانها أن تحرير آخر معتقل من السجن تم الأحد الماضي الساعة 11 صباحا.